العيش في طي النسيان
يصف المخرج المخضرم ماركو سالوسترو التحديّات الصحفية عند تغطية محنة الآلاف من المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والمحتجزين حاليا في ليبيا
[Ed. note: We apologise for the incorrect alignment of the Arabic text on this page, which is due to a technical problem that we hope to resolve soon.]
“إذا كانوا يعلمون بأنهم قد يموتون في عرض البحر، فلماذا يستمرّون بالقدوم هنا؟” هذا السؤال يطرحه العديد من الأوروبيين حول استمرار تدفّق المهاجرين الذين يحاولون العبور من أفريقيا إلى إيطاليا واليونان وأجزاء أخرى من أوروبا على متن قوارب مزدحمة وأحيانا غير صالحة للإبحار، حيث يفقد كثير منهم حياتهم قبل الوصول.
أردّتُ إظهار ما يحدث على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط، وتحديدا في ليبيا. لكن العمل في ليبيا صعب ومحفوف بالخطر، حتى لو كان لدى الصحفي معرفة واسعة بالبلاد وصلات جيدة. فنحن لم نكن نعرف ما يجب علينا أن نتوقعه. اكتشفنا أنه يوجد هناك مئات من الأشخاص المحتجزين في المخيمات، وهم ينتظرون ويأملون في حياة أفضل. البعض منهم كان نحيلا لدرجة أن عظامهم كانت بارزة من تحت جلودهم. “نحن لا نعلم ماذا سوف يحدث لنا الآن”، تتحسّر إحدى النساء هناك.
أبدى هؤلاء المهاجرون رغبة كبيرة في التحدث أمام الكاميرا، رمبا في محاولة يائسة لطلب المساعدة، وليقولوا: “نحن هنا…نحن بشر، ونحن موجودون”. كانوا يعتقدون بأنه ربما إذا علم العالم الخارجي عن محنتهم، فقد يحدث شيء ما ليغيّر أوضاعهم. هم لا يصدّقون أن العالم تركهم ليواجهوا مصيرهم هكذا.
يقيم هؤلاء اللاجئون اليائسون الذين يهربون من الاضطرابات في بلادهم (السودان وإريتريا والصومال) في حظائر ضخمة، حيث هم مجبرون على العيش ولا يحصلون في معظم الأحيان الّا على كميات قليلة من الماء والغذاء، كما أنّهم يتعرّضون للضرب. هنا، في منتصف الطريق بين بلادهم وبين الحرية التي يسعون للوصول اليها، ليس لديهم أيّ فكرة ما إذا كانوا سيغادرون ليبيا أبدا.
خلال قيامي بجمع المعلومات من أجل هذا التقرير، كان يتعيّن عليّ الحصول على إذن من وزارة الداخلية لزيارة المراكز التي تديرها الحكومة. وكثيرا ما كان ذلك يتطلب تصاريح موقعة من الشرطة أو هيئات الأخرى، حيث قد يقضي المرء أيّاما بأكملها في غرف الانتظار ويضطر الى اجراء مكالمات هاتفية متعددة إلى مختلف الجهات. ولكن في بعض الأحيان، حتى ذلك القدر من التحضيرات لم يكن كافيا، ففي أحد المرّات خلال زيارتنا الى مركز أبو سليم الذي تسيطر عليه الحكومة بشكل رسمي، وعلى الرغم من أن الزيارة كان قد تم ترتيبها مسبقا من قبل الوزارة التي أرسلت ضابطا برفقتي الى المخيّم، منعنا رجال الميليشيات الذين لم يتم قد تم استشارتهم مسبقا من الدخول. عند عبورنا البوابة رأينا عددا من الشبّان يرتدون الشبشب ويحملون المسدسات يهدّدون المدير والضبّاط هناك.
بطبيعة الحال، وبما أنه لا توجد هناك حرية صحافة في ليبيا، فإن جلّ ما يمكننا فعله هو الحفر قليلا تحت السطح ومحاولة النزول الى العمق بأكبر قدر ممكن، مع الأخذ في الاعتبار أن ما
نراه لا يمكن أن يكون هو الواقع بكامل صورته.
خلال عملي، كانت جميع الميليشيات التي التقيت بها حريصة على التباهي بقدرتها على السيطرة على المهاجرين، ومما يثير الدهشة، فأنهم لم يكونوا مهتمين على الإطلاق بإخفاء الاعتداءات التي يرتكبونها ضدهم. وبدا كأنّهم يعتقدون أن لا أحدا في أوروبا يكترث بذلك، طالما أنّهم يقومون بمنع المهاجرين من الوصول الى شواطئهم. في بعض الحالات، كان السبب الوحيد الذي سمح لي من أجله بالعمل في أحد المخيمات هو أن الميليشيات اعتقدت أن التغطية الإعلامية قد تكون مفيدة للضغط على الحكومة.
ولكن أخطر شيء هو أن ما كنا نراه ونقوم بتوثيقه كان الجانب الجيّد، أي أن ما تم السماح لنا برؤيته كان يعتبر مقبولا أو حتى شيء يفتخر به، ولكن على الرغم من ذلك، كانت الظروف المعيشية التي رأيتها قاسية حقا والانتهاكات مجرّد جزءا من الحياة الطبيعية في المخيّمات. ما يحدث بعيدا عن الأنظار قد يكون أكثر فظاعة بكثير.
صدم الرأي العام الأوروبي عندما غرق أكثر من 800 رجل وامرأة وطفل في المتوسط في 18 نيسان / أبريل 2015. وعقب ذلك، أعرب الاتحاد الأوروبي عن استعداده لقصف القوارب والموانئ المستخدمة لتهريب المهاجرين عبر البحر. وأعلنت حكومة طرابلس، المدعومة من قبل تحالف فجر ليبيا الإسلامي، عزمها على المشاركة في الكفاح ضد تهريب البشر، وبدأت حملة تهدف إلى إظهار جديتها بشأن كبح تدفّق المهاجرين. كما تتلقى الحكومة الليبية الدعم من الاتحاد الأوروبي للمساعدة في مراقبة الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط.
لقد أصبح المهاجرون سلعة قيّمة في إطار المعركة لأجل السلطة حيث قامت الميليشيات الليبية، التي يُعتقد على نطاق واسع بأنها متوّرطة بشكل كبير في تهريب البشر، بالتدّخل في مسألة الهجرة لاكتساب النفوذ والتأثير على الحكومة.
وقال لي مسؤولو الحكومة إنهم ليس لديهم ما يكفي من الموارد لتنفيذ أي من الاجراءات التي أعلنتها الحكومة لذا اضطروا الى التعامل مع الميليشيات العنيفة “لتأمين الشواطئ ووقف العبور غير الشرعي إلى أوروبا”.
قصص المهاجرين مروّعة، وهم لا يستطيعون التحدّث بحرية. وما نستطيع أن نسمعه منهم لا يعكس الواقع بكامله. بعض المهاجرين الذين التقيت بھم مجدّدا عندما وصلوا إلی أوروبا أخبروني أن أعمال القتل والتعذيب كانت جزءا من روتينهم الیومي.
اعتقدت أنه من المهم تغطية هذه القصة لإظهار ما يحدث بعيدا عن مرأى الشعب الأوروبي. فبينما كان الرأي العام يطالب ببذل جهد أكبر لإنقاذ حياة المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، كانت الإجراءات التي اتخذتها حكومة طرابلس لإظهار نفسها كشريك موثوق به للاتحاد الأوروبي في السيطرة على تدفّق المهاجرين تفاقم من معاناة المهاجرين في ليبيا وتضعهم في خطر أكبر.
Published 23 January 2018
Original in English
Translated by
Karim Traboulsi
First published by Index on Censorship (Winter 2016)
Contributed by Index on Censorship © Marco Salustro / Index on Censorship / Eurozine
PDF/PRINTNewsletter
Subscribe to know what’s worth thinking about.